عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٩

وعن شهر بن حوشب (١) عن ابن عباس في تفسيره قال : هو المشّاء بالنّميمة ، المفرّق بين الجماعة ، المغري بين الأحبّة. قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ)(٢) أي نزعاتهم وما يوسوسون به. وأصله من الهمز ، وهو الدّفع. ومنه الحديث : «أمّا همزه فالموتة» (٣) وقال أبو عبيد : الموتة : الجنون سمّاه همزا لأنه حصّله من النّخس والغمز. وكلّ شيء غمزته فقد دفعته.

ه م س :

قوله تعالى : (فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً)(٤) جاء في التفسير : إنّه صوت الأقدام حين يمشون إلى المحشر. وأصل الهمس الصوت الخفيّ ، وهمس الأقدام أخفى ما يكون من صوتها. ومنه همس الإبل كقول الشاعر (٥) : [من الرجز]

وهنّ يمشين بنا هميسا

إن تصدق الطّير ننك لميسا

وقيل : هو تحريك الشّفتين دون نطق ، والأول أشهر. ومنه الحروف المهموسة ، وهي مجموعة في قولك : سكت فحثّه شخص ، حسبما بيّناه في «العقد النّضيد». ومنه تسميتهم الأسد هموسا لأنه يمشي بخفّة فلا يسمع صوت وطئه. وفي الحديث : «كان يتعوّذ من همز الشيطان ولمزه وهمسه» (٦). قال الليث : والهمز (٧) كلام من وراء القفا ، واللمز مواجهة. والشيطان يوسوس فيهمس بوسواسه في صدور بني آدم. وقال أبو الهيثم : إذا أسرّ الكلام وأخفاه فذلك الهمس من الكلام.

__________________

(١) هو شهر بن حوشب الأشعري ، فقيه من رجال الحديث ، شامي سكن العراق ، لكن متروك الحديث لسماعه الغناء بالآلات. توفي سنة ١٠٠ ه‍.

(٢) ٩٧ / المؤمنون : ٢٣.

(٣) النهاية : ٥ / ٢٧٣. والهمز هنا : النخس.

(٤) ١٠٨ / طه : ٢٠.

(٥) من شواهد اللغة. جمهرة اللغة : ٢ / ٤٠ ، من شعر ابن عباس في الحداء. وصدره في اللسان ، وانظر النهاية : ٥ / ٢٧٣.

(٦) النهاية : ٥ / ٢٧٣ ، وفي الأصل : «ولمسه» وتصويبه منه.

(٧) وفي الأصل : لام ، وهو وهم. والتصويب من الجمهرة واللسان.

٣٠١

ه م م :

قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ)(١) أي عزمت وقصدت. وقال أبو حاتم : كنت أقرأ كتاب «غريب القرآن» على أبي عبيدة ، فلما أتيت على قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) قال أبو عبيدة : هذا على التقديم والتأخير كأنه قال : ولقد همّت و (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) لهمّ بها. قلت : وما قاله حسن جدا ، وقد بيّنّا ذلك في موضعه في كتابنا المشار إليه غير مرة. وقال ثعلب : أي همّت زليخة بالمعصية مصرّة ، وهمّ يوسف ولم يواقع ما همّ به ، فبين الهمّين فرق. قيل : وأصل ذلك من الهمّ وهو الحزن الذي يذيب الإنسان.

يقال : هممت الشحم فانهمّ ، أي أذبته فذاب. فالهمّ الذي تهمّ به نفسك يكاد يذيبك حتى تفعله. ومن ثمّ قال الشاعر (٢) : [من الطويل]

وهمّك ما لم تمضه لك منصب

وقوله تعالى : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ)(٣) أي حملتهم. يقال : أهمّني كذا ، أي حملني على أن أهمّ به. وقوله : (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا)(٤) جاء في التفسير أنّ رجالا عزموا على أن يغتالوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقعدوا له في (٥) الطريق ، فأطلعه الله تعالى ، فأمر بتنحيتهم وسمّاهم رجلا رجلا. وفي الحديث : «أحبّ الأسماء إلى الله عبد الله وهمّام ، لأنّه ما من أحد إلّا وهو يهمّ بأمر رشد أو غوي» (٦). وفي شعر سطيح (٧) : [من البسيط]

شمّر فإنّك ماضي الهمّ (٨) شمّير

أي ماضي العزم.

__________________

(١) ٢٤ / يوسف : ١٢.

(٢) المفردات : ٥٤٥.

(٣) ١٥٤ / آل عمران : ٣.

(٤) ٧٤ / التوبة : ٩.

(٥) وفي س : على.

(٦) وكذا عند الهروي. وفي النهاية : «.. حارث» (٥ / ٢٧٤).

(٧) اللسان ـ مادة همم ، النهاية : ٥ / ٢٧٥.

(٨) وفي الأصل : العزم ، وهو سبق قلم ، يؤيد معنى الشاهد في المادة. والتصويب من المصدرين.

٣٠٢

وفي الحديث : «من شرّ كلّ سامّة وهامّة» (١). قيل : الهامّة : الحيّة وكلّ ذي سمّ قاتل ، وما يقتل منها فهو سامّة كالعقرب والزّنبور وشبههما ، والجمع الهوامّ والسوامّ والقوامّ. فالهوامّ والسّوامّ تقدّما ، والقوامّ : دوابّ الأرض الذي ليست بذي سمّ البتّة كالقنافذ واليرابيع والخنافس والفئران. وقد يطلق الهوامّ على القمّل ، ومنه الحديث : «أتؤذيك هوامّ رأسك» (٢) قيل لها ذلك لأنها تهمّ في الرأس وتدبّ. وتهمّم رأسه أي فلّاه من الهوامّ. والهامّة في قولهم : «نعم الهامّة» ، هذا هو الفرس.

ه م ن :

قوله : (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)(٣) أي رقيبا وشاهدا. وقيل : مؤتمنا. والمهيمن في قوله تعالى : (الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ)(٤) أي الرقيب الحافظ. وقد زلّ المبرّد فجعله تصغير مؤمن ؛ فإنّ الأصل مؤيمن فأبدل الهمزة هاء كهرقت ونحوه (٥). وهذا خطأ محض ، والقول به سفه لأنّ التصغير لا يرد في أسماء الله تعالى ، بل ولا في كلّ اسم معظّم شرعا كأسماء الأنبياء. وقد كتب ذلك ... (٦) فكتب إليه أن اتّق الله وارجع عن هذا فإنه كفر. وقد بيّنا هذه الحكاية مطوّلة في غير هذا. وقال بعضهم : هو من أسماء الله تعالى القديمة في الكتب. وفي شعر العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه يمدح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٧) : [من المنسرح]

حتّى احتوى بيتك المهيمن من

خندف ، علياء تحتها النّطق

قال القتيبيّ : معناه احتويت يا مهيمن من خندف علياء ؛ يريد به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأقام البيت مقامه لأنّ البيت إذا حلّ بهذا المكان فقد حلّ به صاحبه ، وأراد ببيته شرفه.

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٢٧٥ ، وفي الأصل : «شيطان وهامّة». من حديثه (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) في تعويذ الحسن والحسين (رضي).

(٢) النهاية : ٥ / ٢٧٥.

(٣) ٤٨ / المائدة : ٥.

(٤) ٢٣ / الحشر : ٥٩.

(٥) ويرى اللغويون أن أصلها أأمن فهو مؤأمن ـ بهمزتين ـ قلبت الثانية ياء كراهة اجتماعهما فصار مؤيمن ، ثم صيّرت الأولى هاء ، كما قالوا : هراق وأراق .. فلا حاجة إلى التصغير.

(٦) بياض في الأصل.

(٧) اللسان ـ مادة همن.

٣٠٣

والمهيمن من نعته كأنه قال : حتّى احتوى شرفك الشاهد على شرفك (١) علياء الشرف من نسب ذوي خندف التي تحتها النّطق ، وهي أوساط الجبال العالية. وفي حديث عمر : «إني داع فهيمنوا» (٢) يريد : أمّنوا ، فأبدل الهمزة هاء وإحدى الميمين ياء (٣).

فصل الهاء والنون

ه ن أ :

قوله تعالى : (فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)(٤) الهنيء : كلّ ما ليس فيه مشقّة ولا تعب. وقيل في التفسير : أي أكلا هنيئا يطيّب الأنفس. وقيل : الهنيء : أكل كلّ ما لا تنغيص فيه ولا تعقبه وخامة.

يقال : هنؤ فهو هنيء ، نحو ظرف فهو ظريف. قال كثيّر عزّة (٥) : [من الطويل]

هنيئا مريئا غير داء مخامر /

لعزة من أعراضنا ما استحلّت

ويقال : هنأه الطعام ومرأه. وإذا أفرد مرأ لم يقل إلّا أمرأة (٦) ، وإنما ترك همزه للمشاكلة نحو : أخذه ما قدم وما حدث ، حسبما بينّاه في «إيضاح السبيل» وغيره. على أنّه قد نقل أبو العباس عن ابن الأعرابيّ أنّه يقال : هنأني وأهنأني ، ومرأني وأمرأني ، ولا يقال : مرني.

والهناء : ضرب من القطران تطلى به الإبل من جربها. قال :

يضع الهنا موضع القبّ (٧)

__________________

(١) وفي رواية : على فضلك.

(٢) النهاية : ٥ / ٢٧٦.

(٣) كقولهم : إيما في إمّا.

(٤) ٤ / النساء : ٤.

(٥) ديوان كثير : ١٠٠.

(٦) يريد : إذا لم يذكر «هنأني» قلت : «أمرأني».

(٧) القب : العظم الناتىء من الظهر بين الأليتين.

٣٠٤

وقد هنأت الإبل فهي مهنوءة. وأنشد لامرىء القيس (١) : [من الطويل]

أيقتلني وقد شغفت فؤادها

كما شغف المهنوءة الرجل الطّالي

وقد هنأت البعير أهنوه وأهنئه ؛ لغتان فصيحتان. وقيل : الهنيء في الآية ما لا إثم فيه. وقد تقدّم الكلام على «مريئا».

ه ن ا :

قوله تعالى : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ)(٢) هنا : ظرف مكان لا يتصرف غالبا ، وهو من أسماء الإشارة ، ولا يشار به إلا للأمكنة. وقد يشار به للزّمان عند بعضهم في قوله تعالى : (هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ)(٣). وجعل من ذلك قول الآخر : [من الكامل]

وإذا الأمور تعاظمت وتشاكلت

فهناك يعترفون أين المفزع؟

والصحيح أنه باق على مكانيته. وحكمه في القرب والبعد والتوسّط حكم ذا. فهنا للمكان القريب ، وهناك للمتوسّط ، وهنالك للبعيد ، وبمعنى البعيد هنا. وهنّا ـ بكسر الهاء مع التّشديد ـ وهنّت وثمّ. وله موضع هو أليق به من هذا.

وقريب من هذه المادة الهن ، وهو الفرج. وقيل : كلّ ما لا يراد التصريح بذكره. والمشهور فيه إعرابه منقوصا لقوله عليه الصلاة والسّلام : «فأعضّوه بهن أبيه» (٤). وقد يعرب بالأحرف الثلاثة كالأب (٥). وقد تسكّن نونه منقوصا كقوله (٦) : [من السريع]

وقد بدا هنك من المئزر

__________________

(١) الديوان : ٤٩. المهنوءة : الناقة المطلية بالقطران.

(٢) ٤٤ / الكهف : ١٨.

(٣) ١١ / الأحزاب : ٣٣.

(٤) النهاية : ٥ / ٢٧٨ ، أي : عضّ أير أبيك.

(٥) يروى أن أصله هنو.

(٦) أنشده سيبويه ، وصدره كما في اللسان ـ مادة هنا :

رحت ، وفي رجليك ما فيهما

ويقول : إنما سكنه للضرورة.

٣٠٥

أراد هنك. وفي فلان هنات ، أي خصل رذيلة.

فصل الهاء والواو

ه و د :

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هادُوا)(١) أي رجعوا وتابوا. والهود : الرجوع برفق. التّهويد : وهو المشي كالدّبيب. وصار الهود في التعارف التّوبة كقوله تعالى : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ)(٢) أي تبنا. وقيل : سكنّا. ومنه الهوادة : وهي السّكون والموادعة ، ومنه الحديث : «لا تأخذه في الله هوادة» (٣). قال بعضهم : يهود في الأصل من قوله : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) فصار اسم مدح ، ثم صار بعد نسخ شريعتهم : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ)(٤) ثم صار لازما لهم بعد نسخ شريعتهم.

قال الراغب (٥) : ويقال : هاد فلان : إذا تحرّى فعل اليهود (٦). ومنه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هادُوا). قال : والاسم العلم قد يتصوّر منه ما يتعاطاه المسمّى به ، أي المنسوب إليه ، ثمّ يشتقّ منه نحو قولهم : تفرعن فلان وتطفّل : إذا فعل فعل فرعون في الجور وفعل طفيل في إتيان الدّعوات من غير استدعاء. وتهوّد في مشيته : إذا مشى مشيا رفيقا تشبيها باليهود في حركتهم عند القراءة. وكذا : هوّد الرائض الدابّة : سيّرها برفق. وقال غيره في قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ)(٧) أي دخلوا في دين اليهودية. وهو موافق لما ذكره في قوله تعالى : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى)(٨) قيل : هو جمع هائد (٩). وقيل : أصله تهوّد ، فحذفت تاؤه. نقله الهرويّ وهو غريب.

__________________

(١) ٦٢ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٢) ١٥٦ / الأعراف : ٧.

(٣) النهاية : ٥ / ٢٨١.

(٤) ٥٢ / آل عمران : ٣ ، وغيرها.

(٥) المفردات : ٥٤٦.

(٦) أي تحرّى طريقتهم في دينهم.

(٧) ١٤٦ / الأنعام : ٦.

(٨) ١٣٥ / البقرة : ٢.

(٩) هائد : تائب.

٣٠٦

ويهود في الأصل منقول من الفعل المضارع نحو يزيد ويشكر. فامتناعه من الصرف يحتمل أن يكون للوزن والعلمية ، أو للتأنيث والعلمية بإعتبار القبيلة. ويرجّحه فعله المسند إليه في قول الشاعر (١) : [من الكامل]

قرّت يهود وأسلمت جيرانها

ولنا فيه كلام أكثر من هذا. وهود : اسم النبيّ المشهور ؛ قال الراغب : وهود جمع هائد في الأصل ، أي تائب. وهو اسم نبيّ عليه‌السلام.

ه و ر :

قوله تعالى : (عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ)(٢) أي ساقط متداع. يقال : هار البئر يهور ، وهار البناء يهور : إذا تداعى وسقط. والأصل : هاور ، فقلبت الكلمة بأن قدّمت لامها وأخّرت عينها فأعلّت إعلال المنقوص نحو شاك ولاب ، من شوكة السلاح ولوب الغمامة. ويقال : لا قلب فيه. وإنّما حذفت العين ، ولذلك أعرب كالصّحيح. يقال : هذا بناء هار ، ونقضت بناء هارا. وقد نطق بالأصل فقيل : هائر كقائم. وفي حديث خزيمة في ذكر السّنة : «تركت المخّ زارا والمطيّ هارا» (٣) أي تساقطا ضعيفا من شدّة الزمان (٤).

قوله : (فَانْهارَ بِهِ)(٥) أي سقط. يقال : انهار الرجل فهو منهار ، أي سقط من مكان عال. ورجل هار ، وبئر هائر. وهائر في أمره ، أي ضعيف ، تشبيها بالبئر الغائر. وتهوّر الليل : ذهب أكثره ، ومنه الحديث : «حتى تهوّر الليل» (٦) أي انهزم ومضى أكثره كما يتهوّر البناء. وقيل : تهوّر : اشتدّ ظلامه. ويقال : تهيّر ؛ قال الراغب (٧) : فهذا من الياء. ولو كان

__________________

(١) شطر لبيت أنشده علي بن سليمان النحوي كما في اللسان ـ مادة هود.

صمّي ، لما فعلت يهود ، صمام

(٢) ١٠٩ / التوبة : ٩.

(٣) النهاية : ٥ / ٢٨١.

(٤) فعلى هذا يقال : هو هار ، وهار ، وهائر. فأما هائر فهو الأصل من هار يهور ، وأما هار بالرفع فعلى حذف الهمزة. وأم هار بالجر فعلى نقل الهمزة إلى ما بعد الراء.

(٥) ١٠٩ / التوبة : ٩.

(٦) النهاية : ٥ / ٢٨١.

(٧) المفردات : ٥٤٧.

٣٠٧

لقيل : متهوّر ، يعني لو كان من الواو لقيل تهوّر يتهوّر. انتهى. وما قاله ليس بلازم لجواز أن يكون وزنه تفعيل لا تفعّل. والأصل تهيور فأدغم. وهذا نحو متحيّر والأصل متحيور. وكذلك ديّار والأصل ديوار على ما أتقنّاه في «الدّرّ» وغيره. ويقال : تهوّر وتوهّر ـ بقلب العين قبل الفاء. وفي حديث آخر : «ومن أطاع فلا هوارة عليه» (١) أي لا هلاك. يقال : اهتور فلان ، أي هلك. وفي حديث آخر : «من اتّقى الله وقي الهورات» (٢) أي الهلكات. الواحدة هورة :

ه و ن :

قوله تعالى : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً)(٣) الهون : التّرفّق والتّثبّت ، أي يمشون بسكينة ووقار ، لا أشرا وتجبّرا. والهون والهوان : اللّين والرّفق. و «هونا» في الآية إمّا حال ، وإمّا نعت مصدر مقدّر ، أي ذوي هون ، أو مشيا ذا هون. وقول أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه : «أحبب حبيبك هونا ما» (٤) أي حبا قصيرا لا إفراط فيه. وقال بعضهم : الهوان على وجهين : أحدهما تذلّل الإنسان من نفسه لما لا يلحقه من غضاضة فيمدح به كقوله تعالى : (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) ، وكقوله عليه الصلاة والسّلام : «المؤمن هين لين» (٥). والثاني أن يكون من جهة متسلّط مستخفّ به ، فيذم به كقوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ)(٦)(وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ)(٧). وقيل : فلان يمشي الهوينا ، هي تصغير (٨) الهونى ، والهونى تأنيث الأهون ، نحو الفضلى تأنيث الأفضل. وقولهم : امض على هينتك من ذلك ، كأنّه فعلة من الهون ، فقلبت الواو

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٢٨١.

(٢) المصدر السابق.

(٣) ٦٣ / الفرقان : ٢٥.

(٤) سجع الحمام : ٣٨. الهون هنا : الحقير ، والمراد منه هنا الخفيف الذي لا مبالغة فيه. وهو في النهاية : ٥ / ٢٨٤ ، وانظر شرحه فيه.

(٥) وفي النهاية : «المسلمون هينون لينون» (٥ / ٢٨٩). وما في النص في المفردات : ٥٤٧ ، على أن الراغب شدد على الياءين. فالعرب تخفف مدحا وتشدد ذما ، والمراد هنا المدح ، كما سيأتي.

(٦) ٩٣ / الأنعام : ٦.

(٧) ١٨ / الحج : ٢٢.

(٨) وفي س : تصغيره.

٣٠٨

بانكسار الفاء نحو ديمة. وقال ابن الأعرابيّ في قوله عليه الصلاة والسّلام : «المؤمنون هينون لينون» : العرب تمدح بالهين مخفّفا ، وتذمّ بالهيّن الليّن مثقّلا. وقال غيره : واحد (١) وهو الصحيح ، والأصل التّثقيل. وهذا نحو ميت وميّت. والهاوون من ذلك ، لأنّ فيه تسهيل أمر الحاجات. قال بعضهم : هو فاعول ، من الهون. ولا يقال : هاون لأنّه ليس في كلامهم فاعل.

ه و ي :

قوله تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى)(٢) أي سقط. قيل : عنى الثّريا. وقيل : أراد نجوم القرآن ، فيكون هوى بمعنى ترك. وهذا من باب تحسين اللفظ ، وإلّا فالسّقوط والنّزول متقاربان. ويقال : هوى يهوي : سقط ، وهوي ـ بالكسر ـ يهوى ـ بالفتح ـ أي مال وأحبّ. قال تعالى : (بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ)(٣) أي تميل وتحبّ. ومنه الهوى. ومنه ميل النفس إلى الشيء ومحبّتها إياه. وقد غلب على الميل المذموم. قال تعالى : (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى)(٤). قال بعضهم : وهو على الإطلاق مذموم ، ثم يضاف إلى مالا يذمّ ، فيقال : هواي مع صاحب الحقّ ، أي ميلي. وقال الشاعر : [من الطويل]

هواي مع الركب اليمانين مصعد

حبيب وجثماني بمكّة موثق

وقيل : الهوى ميل النّفس إلى الشّهوة. وقيل : سمّي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدّنيا إلى كلّ داهية ، وفي الآخرة إلى الهاوية. وقد عظّم الله تعالى ذمّ اتّباع الهوى في قوله : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ)(٥) ، أي ما تميل إليه نفسه. والأصل : من اتّخذ هواه إلهه ، لما بينّاه في غير هذا. قوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ)(٦) ، إنّما جمع لأنّ لكلّ

__________________

(١) أي هما واحد في المعنى.

(٢) ١ / النجم : ٥٣.

(٣) ٨٧ / البقرة : ٢.

(٤) ٤٠ / النازعات : ٧٩.

(٥) ٢٣ / الجاثية : ٤٥.

(٦) ١٢٠ / البقرة : ٢.

٣٠٩

واحد هوى غير هوى الآخر. ثم هوى كلّ واحد منهم لا يتناهى. فإذا اتّباع أهوائهم نهاية الضّلال والحيرة.

قوله تعالى : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ)(١) يعني بها النار. وقيل : هي اسم طبقة من طباق جهنّم ، أعاذنا الله منها. سمّيت بذلك لهوي صاحبها فيها على أمّ رأسه. فيجوز أن يكون كقوله : (عِيشَةٍ راضِيَةٍ)(٢) أي ذات هوى. ويقال : الهويّ ، بالضم (٣) : ذهاب في انحدار. والهويّ ، بالفتح : ذهاب في ارتفاع. وأنشد (٤) : [من الكامل]

يهوي محارمها هويّ الأجدل

قوله تعالى : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ)(٥) أي قلوبهم خالية من الجزع. ومنه قول جرير (٦) : [من الكامل]

ومجاشع قصب هوت أجوافهم (٧)

لو ينفخون من الخؤورة طاروا

وقال حسان رضي الله عنه (٨) : [من الوافر]

فأنت مجوّف نخب هواء

وقال زهير (٩) : [من الوافر]

كأنّ الرّحل منها فوق صعل

من الظّلمان جؤجؤه هواء

__________________

(١) ٩ / القارعة : ١٠١.

(٢) ٢١ / الحاقة : ٦٩.

(٣) وفي الأصل : بالفتح ... بالضم. لعله سبق قلم.

(٤) المفردات : ٥٤٨. الأجدل : الصقر.

(٥) ٤٣ / إبراهيم : ١٤.

(٦) لم نجده في ديوانه ، ومذكور في اللسان والتاج ـ مادة هوا ، معزوا إلى جرير.

(٧) ورواية اللسان : أجوافه.

(٨) عجز لحسان ، وصدره كما في الديوان : ١ / ١٨ :

ألا أبلغ أبا سفيان عني

(٩) شعر زهير : ١٢٧. الظلمان : جمع ظليم وهو ذكر النعام. الصعل : الصغير الرأس. الجؤجؤ : الصدر.

٣١٠

وقال امرؤ القيس (١) : [من الطويل]

وصدر هواء تحت صلب كأنّه

من الهضبة الحلفاء حلو ومصعب

والهواء : ما بين السماء والأرض. قال الراغب (٢) : وعلى ذلك حمل قوله تعالى : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ)(٣) أي هي بمنزلة الهواء في الخلاء. قوله تعالى : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)(٤) أي تميل وتنزع بمنزلة من سقط لشدّة محبتهم له. وقرىء بفتح الواو (٥). وخرجت على تضمين تميل. قوله تعالى : (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى)(٦) أي أهلك وأسقط. والأصل في قولهم : أهواه : رفعه في الهواء وأسقطه.

المهوى : الحفرة التي يهلك من يهوي فيها. وهم يتهاوون أي يتساقطون في الهواء. قوله تعالى : (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ)(٧) أي ذهبت به. وقيل : استمالته وأضلّته فهوى ، أي أسرع إلى ما دعته إليه.

قوله : (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ)(٨) أي تمرّ به مرّا سريعا. وفي الحديث : «إذا عرّستم فتجنّبوا هويّ الأرض» (٩). الهويّ جمع هوّة وهي الحفيرة. ووصفت عائشة رضي الله عنها أباها فقالت : «وامتاح من المهواة» (١٠) أرادت البئر القعيرة ؛ تريد ما فتحه من البلاد ، وحصّله من الفيء والغنائم.

__________________

(١) لم نجده في ديوانه ، ولا هو في مستوى شعر امرىء القيس!

(٢) المفردات : ٥٤٨.

(٣) ٤٣ / إبراهيم : ١٤.

(٤) ٣٧ / إبراهيم : ١٤.

(٥) روى الفراء أن بعض القراء قرأها بنصب الواو بمعنى تهواهم (معاني القرآن : ٢ / ٧٨).

(٦) ٥٣ / النجم : ٥٣.

(٧) ٧١ / الأنعام : ٦.

(٨) ٣١ / الحج : ٢٢.

(٩) النهاية : ٥ / ٢٨٥.

(١٠) المصدر السابق.

٣١١

فصل الهاء والياء

ه ي ت :

قوله تعالى : (هَيْتَ لَكَ)(١). هيت اسم فعل بمعنى أقبل وتعال. وقرىء «هيت» بكسر الهاء وفتحها مع فتح التاء للخطاب ، و «هئت» مهموزا مع ضمّة التاء للمتكلم ، أي تهيّأت لك (٢). وفي الحرف لغات وقراءات أوضحتها في غير هذا من الكتب المشار إليها غير مرة.

ه ى ه ت :

قوله تعالى : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ)(٣). هيهات : اسم فعل ماض معناه بعد ، ويرفع الظاهر كقول الشاعر (٤) : [من الطويل]

فهيهات هيهات العقيق وأهله (٥)

وهيهات خلّ بالعقيق نواصله

أي بعد ، وفيه لغات ، وهو مفرد مطلقا ، أي سواء وقف عليه بالتاء أو (٦) بالهاء. وقد قرىء بهما جميعا. ومنهم من قال : إن وقف عليه بالتاء كان جمعا على حدّ مسلمات وإن وقف عليه بالهاء كان مفردا على حدّ مسلمة. وفرّق أبو علي بينهما أيضا في الجمع والإفراد لوجه آخر فقال : المكسور جمع للمفتوح ، يعني أنك إذا قلت : هيهات ـ بكسر التاء ـ كان جمعا لهيهات بفتحها. وغيره يجعل ذلك من باب اللغة لا من باب الإفراد والجمع.

وقال أبو عبيد صاحب «الغريبين» : من وقف على هيهات بالهاء فأصله من هاهى يهاهي هيهاة. وهو حثّ على السّير. وزعم الزجاج أنه مصدر بمعنى البعد ، أي البعد لما توعدون. قال بعضهم : غلط الزجّاج واستهواه اللام ؛ بمعنى أنه لمّا رأى لام الجرّ بعد هذه

__________________

(١) ٢٣ / يوسف : ١٢.

(٢) وقيل : هيت لك وهيت. وقال الزجاج : وأكثرها هيت لك ؛ بفتح الهاء والتاء. ورويت عن علي : «هيت لك» ، وعن ابن عباس : «هئت لك».

(٣) ٣٦ / المؤمنون : ٢٣.

(٤) البيت لجرير ، وهو من شواهد النحو في اسم الفعل (الديوان : ٤٧٩) ، وروايته فيه : فأيهات.

(٥) ورواية الديوان واللسان : ومن به. العقيق : واد لبني كلاب.

(٦) وفي الأصل : أم.

٣١٢

اللفظة اعتقد كونها اسما. وقدّره من غلطه بأنّ تقديره بعد الأمر لما توعدون. فجعل الفاعل مضمرا ، وفسّره بالأمر. وقال بعضهم : هيهات كلمة تستعمل لتبعيد الشيء ، وصرف منها فعلا فقال : هيهت هيها وهيهاتا. ويقال : هيهات بالفتح والكسر وهيهاتا بالتنوين. وقد مرّ أنّ أبا عليّ جعل المكسور جمعا للمفتوح. ويقال : أيهات وإيهات ، وكأنها بدل من الهاء ، كما أبدلت هي منها في هياك.

ه ي ج :

قوله تعالى : (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا)(١) أي ثم يطول. يقال : هاج البقل ، أي طال واصفرّ. وأصل الهيجان شدّة الحركة. وذلك كقولهم : هاج الفحل ، وهاج البعير وهيّجته : أثرته. وهاج الدم : إذا تموّع. وهيّجته وهجته بمعنى ، وأنشد : [من الطويل]

أدارا بحزوى هجت للعين عبرة (٢)

فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق

وهيّجت الحرب ، والحرب الهيجاء ؛ يمدّ ويقصر. فمن المدّ قول الشاعر : [من الرجز]

لأقعدنّ الجبن عن الهيجاء

ولو توالت زمر الأعداء

ومن القصر قوله (٣) :

لباسا إلى الهيجا جلالها

وهاج الشيء هيجا وهيجانا. وفي حديث عليّ : «لا يهيج على التّقوى زرع قوم» (٤) قيل : معناه من عمل لله لم يفسد عمله ولم يبطل كما يهيج النّبت ويبطل.

ه ي ل :

قوله تعالى : (كَثِيباً مَهِيلاً)(٥) أي مصبوبا سائلا لا يتماسك. يقال : هلت الرّمل أهيله

__________________

(١) ٢١ / الزمر : ٢٩.

(٢) وفي ح : حمرة.

(٣) شطر ناقص من الطويل.

(٤) النهاية : ٥ / ٢٨٦.

(٥) ١٤ / المزمل : ٧٣.

٣١٣

هيلا فهو مهيل ، وهيّلته : أرسلته إرسالا. وأهلته لغة في هلته. وفي حديث الخندق : «فعادت كثيبا أهيل» (١) ، أي سيّالا.

ه ي م :

قوله تعالى : (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ)(٢) جمع أهيم. والأهيم : الذي لا يروى من شدّة العطش. وهو الكثيب من الرمل. قال بعض المفسرين : الهيم : الرّمال التي لا ترويها ماء السماء (٣) /. يقال : كثيب أهيم ، وكثبان هيم. هذا قول بعض المفسرين. وقال أهل اللغة : الهيم : الإبل التي يصيبها داء ، يقال لها الهيام من (٤) العطش ، فلا تروى من الماء حتى تموت. واحدها أهيم وهيمان. ومنه حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه : «أن رجلا باعه إبلا هيما» (٥) أي مراضا ، لأنّها تمصّ الماء مصّا فلا تروى. ورجل أهيم وهيمان : شديد العطش. وأنشد (٦) : [من الطويل]

لئن كان برد الماء هيمان صاديا

إليّ حبيبا إنها لحبيب

وفي الحديث : «اغبرّت أرضنا وهامت» (٧) أي عطشت. والهيام من الرمل اليابس ، كأنّ به عطشا ؛ نقلته من الراغب (٨). ويستعار ذلك لمن اشتدّ به العشق فيقال : هام فلان بفلانة ، ولمن تحيّر في أمره فذهب على وجهه لا يدري أين يذهب؟ يقال : هام على وجهه. ومنه قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ)(٩) أي يذهبون في مذاهب القول مدحا وذمّا ، فلا يقتصرون على قول الحقّ في ذلك. وعن الحسن : «قد رأينا أوديتهم التي يهيمون

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٢٨٩.

(٢) ٥٥ / الواقعة : ٥٦.

(٣) والتي تبتلع الماء.

(٤) كلمة غامضة رسمها «يلها» ، فوضعنا «من» عوضا عنها ، للسياق.

(٥) النهاية : ٥ / ٢٨٩.

(٦) البيت لعروة بن حزام ، وهو من شواهد النحو (شرح ابن عقيل : ١ / ٥٤٢). هيمان من الهيام ـ بضم الهاء ـ أشد العطش.

(٧) النهاية : ٥ / ٢٨٩ ، وتمامه : «... وهامت دوابّنا».

(٨) المفردات : ٥٤٧.

(٩) ٢٢٥ / الشعراء : ٢٦.

٣١٤

فيها في مديح هذا مرة وفي هجاء هذا مرة». ويحكى أنّ الفرزدق حين أنشد هشام بن عبد الملك (١) : [من الوافر]

فبتن بجانبيّ مصرّعات

وبتّ أفضّ أغلاق الختام

قال هشام : قد أقررت على نفسك فنحدّك. فقال : يا أمير المؤمنين : قد درأ الله الحدّ عنّي. فقال : وأين درأ عنك الحدّ؟ (٢) فتلا قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ). فضحك وتركه. ومنه أيضا ما جاء في الحديث : «كان ابن عباس أعلم الناس بالقرآن. وكان عليّ أعلم بالمهيّمات» (٣) أي دقائق المسائل التي تهيّم الإنسان ، أي تحيّره. ويروى : «بالمهيمنات» أي بالقضايا ، لأنّ القضاة يقومون بها. والمهيمن على الشيء : القائم به. وقد تقدّم ذكره في مادة (ه م ن) فأغنى عن إعادته.

ه ا :

قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ)(٤) ها : حرف تنبيه يدخل على اسماء الإشارة نحو : هذا وهذه وهؤلاء. وتدخل على سائر أسماء الإشارة إلا فيما اتّصل منها باللام ، فلا يقال : ها ذلك. وقد يجاء مع الكاف وحدها نحو : ها ذاك. وأنشد لطرفة بن العبد (٥) : [من الطويل]

رأيت بني غبراء لا ينكرونني

ولا أهل ها ذاك الطّراف الممدّد

وتفصل من أسماء الإشارة بضمائر الرفع المنفصلة نحو : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ)(٦). وقد يعاد توكيدا كقوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ)(٧) فها الثانية توكيد للأولى ، وحسن ذلك الفصل وفيه نظر ؛ لأنه لا يؤكّد الحرف إلا بإعادة ما دخل عليه ، أو بإعادة ضميره إلا في ضرورة ، أو يكون حرف جواب. وقد تحذف ألف ها تخفيفا نحو

__________________

(١) الديوان : ٨٣٦ ، من مدحية طويلة.

(٢) درأه : دفعه بشدة.

(٣) النهاية : ٥ / ٢٨٩ ، والحديث لعكرمة. والرواية الثانية مذكورة فيه.

(٤) ٦٦ / آل عمران : ٣ ، وغيرها.

(٥) الديوان : ٤٢. الطراف : البيت من الأدم.

(٦) ١١٩ / آل عمران : ٣.

(٧) ١٠٩ / النساء : ٤.

٣١٥

قراءة من قرأ : «هأنتم» بالقصر (١) وقيل : الهاء بدل من همزة الاستفهام ، والأصل أأنتم. وفي هذا الحرف قراءات كثيرة ، وتوجيهاتها صعبة ، قد اضطرب كلام الناس فيها. وقد أتقنّا بحمد الله تعالى ذلك كلّه في «الدّرّ المصون» و «الدّرّ النّضيد». وقد يفصل ها التّنبيه من اسم الإشارة بغير ضمائر الرفع المنفصلة كقول النابغة (٢) : [من البسيط]

ها إنّ ذي عذرة إلّا تكن قبلت

بأنّ صاحبها قد تاه في البلد

وأنشد سيبويه (٣) : [من البسيط]

تعلّمن ها ـ لعمر الله ـ ذا قسما

فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك؟

الأصل أن هذه عذرة ، ولعمر الله هذا قسما (٤).

__________________

(١) يرى الفراء أن العرب إذا جاءت إلى اسم مكنيّ قد وصف بهذا وهاذان وهؤلاء فرّقوا بين (ها) وبين (ذا) وجعلوا المكنيّ بينهما ، وذلك في جهة التقريب لا في غيرها «معاني القرآن : ١ / ٢٣٢) ، وجاء بهذه الآية مثالا.

(٢) ختام معلقته : ٢٦. ورواية الصدر في الديوان :

ها إنّ تا عذرة إلا تكن نفعت.

(٣) ذكره سيبويه في كتابه : ٣ / ٥٠٠ و ٥١٠. وفي ديوان زهير : ٨٨. تعلّمن : اعلم.

(٤) يريد : هذا ما أقسم به.

٣١٦

باب الواو

الواو :

تكون عاطفة ، وتنفرد عن أخواتها العواطف بأحكام مذكورة في كتب النحو ، وتكون للحال ، وعلامتها أن يصلح موضعها «إذ» ، نحو : جاء زيد والشمس طالعة. وتكون حرف جرّ في القسم ، نحو : والله لأقومنّ ، نيابة عن الباء. ولا تجرّ إلا الظاهر ، ولا يظهر معها فعل القسم بخلاف أصلها. وتكون حرفا أيضا نيابة عن «ربّ» كقول امرىء القيس (١) : [من الطويل]

وليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأنواع الهموم ليبتلي

وهل الجرّ بها أو بربّ؟ قولان. وتكون استئنافا ؛ قالوا : كالواو التي يؤتى بها أول الكلام ، وفيه نظر لجواز أن يكون المتكلم بذلك قدّر معطوفا عليه. وإذا كانت عاطفة فلا تقتضي ترتيبا ولا معيّة عند الجمهور. وهذه هي أصول الواو ، وما ورد ففرع عنها.

فصل الواو والألف

و أ د :

قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ)(٢) الموءودة في الآية : البنت التي يدفنونها إمّا

__________________

(١) بيت مشهور في معلقته ، الديوان : ٣٦.

(٢) ٨ / التكوير : ٨١.

٣١٧

دفعا للعار وإما خشية الفقر كقوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ)(١). قال بعضهم : هو مأخوذ من الوأد ، وهو الثقل لأنها إذا دفنت ثقلت بالتراب ؛ يقال : وأدت الوالدة ولدها بيدها وأدا : فعلت به ذلك.

وقيل في قوله تعالى : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما)(٢) أنّه مقلوب من هذا ، أي لا يثقله ذلك. وفي الحديث : «نهى عن وأد البنات» (٣) وهذا نهي لهم عمّا كانوا يفعلونه. وجعل بعضهم من ذلك قول بعض العرب : «دفن البنات من المكرمات» يريد دفن البنات من المكرمات ، فعامل تاء الجمع معاملة تاء الإفراد ؛ تاء الجمع نحو : الوقف على (خَصاصَةٌ)(٤)(وَرَحْمَةٌ)(٥) ، ويجوز عندي أن يكون قولهم : دفن البنات أي موتهنّ ، لا هذا الدفن الذي هو الوأد ، فعبّر عنه بغايته.

و أ ل :

قوله تعالى : (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً)(٦) الموئل قيل : هو المرجع ، أي مرجعا. وقال الفراء : الموئل : المنجى. يقال : وأل زيد من العدوّ ، أي نجا منه ، يئل وألا ووؤولا. وأنشد لذي الرّمة (٧) : [من البسيط]

وقد أجالس ربّ البيت عقلته

وقد يحاذر مني ثم لا يئل

أي لا ينجو. ومنه قول أبي دريد ـ هو من كبار أهل اللغة (٨) :

فإن عثرت بعدها وإن وألت

نفسي من هايا فقولا لامعا

وقيل : هو الملجأ ؛ يقال : وأل فلان إلى فلان ، أي لجأ إليه. وفي الحديث : «فوألنا

__________________

(١) ٣١ / الإسراء : ١٧.

(٢) ٢٥٥ / البقرة : ٢. والمادة في (أود).

(٣) النهاية : ٥ / ١٤٢ ، وفيه كلمتان هما «ومنع وهات» ولم تتضحا لنا.

(٤) ٩ / الحشر : ٥٩.

(٥) ١٥٧ / البقرة : ٢.

(٦) ٥٨ / الكهف : ١٨.

(٧) غير مذكور في ديوانه.

(٨) كذا في الأصل!

٣١٨

إلى حواء» (١) أي لجأ [نا](٢) إليه. وفي حديث عليّ رضي الله تعالى عنه : «إنّ درعه كانت صدرا بلا مؤخّر فقيل له : فهلّا احترزت من ظهرك؟ فقال : إذا أمكنت من ظهري فلا وألت» (٣) أي فلا نجوت.

ويقال : وأل يئل فهو وائل ، وبه سمّي الرجل وائلا. والوألة : البعرة ، سمّيت بذلك لخسّتها. وبه سمّيت بعض القبائل وأله. وفي حديث «أنّه جلس إليه بعض الناس فقال : أنت من بني فلان؟ قال : نعم. قال : فأنت وألة إذا؟ قم عنّي فلا تقربنّي» (٤).

فصل الواو والباء

و ب ر :

قوله تعالى : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها)(٥) الأوبار : جمع وبر وهو من الإبل بمنزلة الصوف من / الضأن ، والشعر من الماعز. ولذلك جمع تعالى في الامتنان عليهم بثلاثة الأنواع من ثلاثة هذه الحيوانات في قوله تعالى : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها). وسكان الوبر مقابلو سكان المدر ، وهم الأعراب البادون لاتخاذهم بيوتهم من الوبر. وبنات وبر (٦) : ضرب من الكمء الصغار ، لأنّ عليها مثل الوبر. وأنشد (٧) : [من الكامل]

ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا

ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

أدخل «أل» على «أوبر» ضرورة لأنه علم على هذا الضرب. وكان بعضهم يصحّفه فيقول عن نبات الأوبر ، بتقديم النون كأنه لما رآه نباتا من الأرض قال ذلك. ووبّر الرجل في

__________________

(١) النهاية : ٥ / ١٤٤. الحواء : البيوت المجتمعة.

(٢) إضافة مناسبة للمعنى.

(٣) النهاية : ٥ / ١٤٣.

(٤) النهاية : ٥ / ١٤٤ وفيه : «... من وألة ..» ، والحديث لعلي. ووألة : قبيلة خسيسة.

(٥) ٨٠ / النحل : ١٦.

(٦) ساقطة من ح.

(٧) أنشده الأحمر كما في اللسان ـ مادة وبر.

٣١٩

بلده : أقام به إقامة الوبر ، مجازا عن كثرة ذلك كقولهم : تلبّد بمكان كذا : ثبت فيه ثبوت اللّبد. ووبر : علم لامرأة. وأنشد قول الشاعر (١) : [من مجزوء البسيط]

ومرّ دهر على وبار (٢)

فهلكت جهرة وبار

وقيل : وبار : أرض لعاد. ويقال : وبّرت الأرنب ، أي غطّت بوبرها الذي على زمعاتها أثرها ، فلا يرى لها أثر (٣).

و ب ق :

قوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً)(٤). قال ابن عرفة : محبسا. ومنه حديث المارّين على الصراط : «ومنهم الموبق بذنوبه» (٥) أي المحبوس (٦). ومنه قوله تعالى : (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا)(٧) أي يحبس السّفن فلا تجري بذنوب أصحابهن. وقال أبو عبيد : الموبق : الموعد. وأنشد (٨) : [من الطويل]

وحاد شرورى والسّتار ، فلم يدع

تعارا له والواديين بموبق

أي بموعد. وقيل : معناه هلاكا. ومعناه : جعلنا بينهم من العذاب ما يوبقهم ، أي يهلكهم. يقال : وبق يبق كوعد يعد ، وبق يوبق كوجل يوجل : إذا هلك. وأوبقته : أهلكته.

و ب ل :

قوله تعالى : (أَصابَها وابِلٌ)(٩) الوابل : المطر الثقيل القطر. وقيل : العظيم القطر ،

__________________

(١) البيت للأعشى كما في الديوان : ٥٣.

(٢) وفي الديوان : ومرّ حد. وبار : من مساكن عاد في الأحقاف.

(٣) الزّمعة : هنة زائدة وراء ظلف الشاة أو الظبي.

(٤) ٥٢ / الكهف : ١٨.

(٥) النهاية : ٥ / ١٤٦.

(٦) وعند ابن الأثير : المهلك.

(٧) ٣٤ / الشورى : ٤٢.

(٨) الشاهد في اللسان ـ مادة وبق. وفي الأصل : أبو لبيد.

(٩) ٢٦٥ / البقرة : ٢.

٣٢٠